لماذا اصبحنا ( ملطشة ) ؟؟؟

خلال العقود الثلاثة الماضية تدهور وضع المصريين خارج وداخل بلادهم بشكل غير معقول، ففي دول الخليج يتقاضى المصري أقلّ أجر في وظيفة معينة يؤديها بنفس الكفاءة والمؤهلات مواطن لبناني أو سوري أو فلسطيني، وبالطبع فإن الأوروبي أو الأمريكي بغضّ النظر عن كفاءته يتقاضى خمسين ضعفا لما يتقاضاه المصري.

وقد يعتقد البعض أن الموضوع له علاقة بالكفاءة والخبرة والتعليم ولكن هذه ليست الحقيقة دائما؛ لأنه تكرّر مرات كثيرة أن إحدى الشركات الأمريكية أرسلت أمريكيا من أصل مصري للعمل في الخليج بالراتب الأمريكي، وعندما يكتشف أشقاؤنا في الخليج أن أصله مصري يقومون بتخفيض الراتب إلى الربع، ويغضب المصري - الأمريكي، ويعود إلى أمريكا، ويصرّ أهل الخليج على حضور أمريكي ليست له جذور مصرية، وإنما ممكن أن تكون له جذور صينية أو يابانية أو هندية أو إفريقية، ولكن "مصري".. لا وألف لا!

المصريون الذين يقفون أمام السفارات الغربية بالطوابير، ويعاملون معاملة غير آدمية في كثير من الأحيان ليس لهذا تفسير معقول؛ لأن الأمر لا يحدث في دول شمال إفريقيا العربية، ولا في باقي البلاد العربية، إذن المشكلة تخصّ المصريين بالذات.

تحدث معركة أو خناقة في مباراة لكرة القدم في مصر أو في دولة عربية، وفي معظم الأحوال يكون المصريون مظلومين، وفي جميع الحالات يتمّ الاعتداء على المصريين، وفي النهاية تتنازل الدولة عن حقوق المصريين.

المستثمر العربي في مصر محمول على الأعناق، ويتمّ اختراع "عقود إذعان" لصالحه ويتمّ تسليمه أجود الأراضي والمواقع بأبخس الأثمان، وطلبه يجاب، وبعلاقات بسيطة يفعل ما يشاء في هذا الوطن الذي يبدو أنه مستباح، وباتصالات عليا يحُلّ جميع مشكلاته وتجاوزاته، ويضرب بجميع القوانين واللوائح عرض الحائط.

والمستثمر المصري خارج مصر إما أنه غير مسموح له بالاستثمار إلا مع وجود كفيل يأخذ معظم الأرباح، ويمكن أن يطرده في لحظة، ولا يستطيع أن يفعل شيئا، ولا يجد سفيرا يساعده ولا دولة تدافع عنه، أو مستثمر في شمال إفريقيا فتقرّر الدولة المضيفة أن تستولي على الاستثمارات أو توقّع عليه غرامات وعقوبات ظالمة، بغضّ النظر هل هو قطاع خاص أم قطاع عام، كما حدث مع أوراسكوم الشركة الخاصة والمقاولون العرب وهي قطاع عام، ولا أحد يستطيع أن يفتح فمه أو يتكلم عن حقوقه أو حقوق الشعب المصري، وحين اندمج ساويرس مع شركة روسية عملاقة كان يعرف جيدا أن الشركة سوف تعود إليها حقوقها، حين تصبح الشركة روسية وليست مصرية.

كان الأخ الأصغر في عائلة ساويرس يملك شركة ضخمة لصناعة الأسمنت في الجزائر، ولما شعر بأنه معرض في المستقبل لضغوط غير عادية أدمج شركته مع شركة فرنسية ضخمة، فأسقط في يد الجزائر بعد أن أصبح ساويرس الأصغر بعيدا عن مرمى هجومهم، وهذا أغاظ الجزائريين بشدة؛ لأن هذا الـ"مصري" أفلت من تحت أيديهم.

المصريون الذين ساهموا في بناء ليبيا يُطردون في لحظة. إذا حدث أي خلاف بين مصري ومواطن من أهل البلد العربي، أو من أي دولة أخرى، فالمصري دائما المخطئ.

حين تحدث جريمة قتل في الإمارات تضغط الدولة هناك على مصر؛ للقبض على المتهمين ومحاكمتهم، بالرغم من أن أحدهم من أهم وأغنى الشخصيات وجزء أساسي من الحزب الحاكم، بينما حين يقود شاب قطري سيارته في سباق منظّم، وفي حضور مشجّعين في طريق المطار، ويدهس الأمير القطري كبشة مصريين يتم ترحيله في طائرة خاصة في ظرف ساعات، ويغمض الأمن عينيه عن كل شيء، وهو القادر على سماع دبيب النملة إذا كان الموضوع يتعلّق بأمن النظام، أما حياة المصريين فهي أمر ليس له أهمية.

إذا تاه مركب في البحر الأحمر أو سيارة في الصحراء، وتمّ إبلاغ الشرطة فالسؤال الأول للمسئولين هو: هل يوجد أجانب؟! والسؤال الثاني هل يوجد أمريكيون؟ والثالث أوروبيون؟ والرابع عرب؟! وفي جميع هذه الحالات يتحرك الأمن والطائرات الهليوكوبتر لإنقاذ التائهين، أما إذا كان الركاب مصريين فالموضوع يتّخذ أبعادا أبسط بكثير، ويتم توجيه اتهامات لهم بعدم الالتزام بتعليمات الأمان.

كان المصريون في عهد جمال عبد الناصر يحترمهم ويخاف منهم الجميع، وذهب المدرسون لتعليم أبناء الشعوب العربية، والمهندسون لبناء بلادهم، والأطباء لعلاج مرضاهم، وكانوا يعامَلون بمنتهى الاحترام، وفي عهد السادات وفي أحلك أوقات المقاطعة العربية بعد معاهدة السلام كان المصريون محترمين في كل مكان، وكان الجميع يتكلم عن العبور المصري العظيم، وعن الخصومة مع السادات وليس مع المصريين.

الكارثة التي حلّت بالمصريين كان زمانها العقود الثلاثة الأخيرة، وهي الفترة التي يطلق عليها الخبراء فترة الركود والتحلل، التي انتهت بكارثة اقتصادية وبيئية وتعليمية وثقافية أخرجت مصر من التاريخ لسنوات طويلة.

الجامعات المصرية التي كانت قبلة الطلبة العرب أصبح لا يدخلها إلا قلة من الطلبة العرب الفاشلين، أصبحت الشهادات المصرية غير معترف بها في البلاد العربية، الأمر ليس له علاقة بالديمقراطية؛ لأن الديكتاتورية موجودة في كل الدول العربية، وإنما له علاقة بفشل النظام.

قارنوا بين ما حدث في ملحمة إخراج عمّال المناجم في شيلي بمجهود دولة من العالم الثالث، ووقوف رئيس الجمهورية مع الشعب حتى تمّ الإنقاذ، وبين ما حدث في العبّارة المصرية التي لم يخرج لإنقاذها أحد.

» لماذا الورده الحمراء تعبير للحب
» لماذا يلجأ البعض لكتمان همومه وأحزانه ؟!؟